
متابعات: اللحظة
وسط الأزمات المستمرة في السودان، تتوالى التقارير الإعلامية والبيانات الرسمية التي تكشف عن وجود تدخلات دولية في النزاع الدائر لأكثر من عامين، هذه التدخلات لا تقتصر على الدعم العسكري والإمدادات، بل تشمل أيضًا إرسال مقاتلين إلى الأرض السودانية.
خلال هذه الفوضى، يلاحظ الكثير من المحللين أن الصراع بين الجيش وقوات “الدعم السريع” قد تجاوز حدود الصراع الداخلي ليصبح ساحة معركة تُختبر فيها قوى دولية عدة، وإن كانت من خلال ممثلين محليين.
وبشكل خاص، تبرز أوكرانيا كأحد اللاعبين الفاعلين في الأحداث، حيث أعلنت بعض التصريحات الرسمية دعمها لقوات “الدعم السريع”، مما أثار الكثير من التساؤلات حول غياب أي رد فعل من الحكومة السودانية تجاه هذا التدخل.
في ذات الوقت، يُعتبر النزاع في السودان من أكبر النزاعات العسكرية العالمية، مما يجذب إليه اهتمام قوى من خارج الحدود ضمن سياق استراتيجي مهم، خاصة في القارة الإفريقية.
أوكرانيا… وكيل الغرب في الصراعات الافريقية
في حديثه عن الوضع في السودان، خرج مكسيم صبح، الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا، بتصريحات مثيرة خلال لقائه مع صحيفة “العربي الجديد” في 18 فبراير 2025. حيث تحدث عن تورط بعض الأوكرانيين الذين يقاتلون كمرتزقة مع قوات “الدعم السريع” ضد القوات السودانية.
وأوضح صبح أن “هناك عدد من الأوكرانيين الذين يشاركون في الصراع بشكل فردي، وغالبًا ما ينضمون إلى صفوف الدعم السريع، وأغلبهم متخصصون في مجالات تقنية مثل تشغيل الطائرات المسيرة”.
وأكد أنهم غالبًا ما يكونون منقطعين عن بلادهم، ورغم ذلك فإن أوكرانيا لا ترغب في أن تُربط باسم القوات المذكورة، مشددًا أن الحكومة الأوكرانية لاتعتبر أي طرف في الصراع ككيان شرعي.
كما أعرب صبح عن إستعداد بلاده لتصبح موردا للأسلحة للجهات الراغبة في الدفاع عن نفسها قائلا: “لدينا بعض النجاحات الأمنية فيما يتعلق بأفريقيا، ونحن فخورون بها. لدى الأفارقة الكثير مما يستوجب شكرهم لنا، ولكن، للأسف، لا يظهر الامتنان على المستوى السياسي، فالعديد من القادة ببساطة لا يسمعوننا، لذلك سنكون سعداء أن نرى في المستقبل القريب دعم الشعوب الأفريقية الحكيمة التي ستلاحظ مساعينا لوضع حد للأزمات في أفريقيا”
قبل ذلك، في الـسابع من يناير، تحدث إيليا يفلاش، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، معبرًا عن مشاركة مدربين أوكرانيين في مجال “حرب المدن” في السودان، مؤكدًا أن ذلك تم بموجب دعوة من قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مما أثار جدلًا كبيرًا، وبعد شهر من ذلك، جاء تصريح عمران سليمان، المستشار لقائد قوات الدعم السريع، حيث أكد على أن أوكرانيا تعتبر صديقًا للشعب السوداني وتعمل بجد لإنهاء النزاع في أسرع وقت.
ومع تقدم القوات المسلحة السودانية، تم الكشف عن العديد من مستودعات الأسلحة التي تحتوي على أسلحة تحمل الشعارات أوكرانية في المناطق المحررة من قوات الدعم السريع، وبعد الاستيلاء على ود مدني، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة لجندي أوكراني قُتل في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني للمدينة وتحريرها من الدعم السريع، وتردد أن الجندي الأوكراني القتيل متخصص في تشغيل الطائرات الهجومية بدون طيار التي تستخدمها قوات الدعم السريع في المعارك ضد الجيش في مناطق مختلفة، وهو ما يتماشى مع المعلومات التي تم تداولها في الأشهر الأخيرة حول قيام السلطات الأوكرانية بتزويد الدعم السريع بالمقاتلين والطائرات بدون طيار والخبراء.
نقلا عن صحيفة “مصراوي”، وبحسب المحلل السوداني محمد عبدالغني، لا تزال السلطات السودانية، على الرغم من كل الحقائق المكتشفة حديثًا وتعاونها الوثيق مع روسيا، تمتنع عن الإدلاء بتصريحات علنية حول موضوع دعم أوكرانيا لقوات الدعم السريع، وإن الرأي العام السوداني في حيرة من أمره ويسأل حكومة بورتسودان: “لماذا لم توضح السلطات حتى الآن موقفاً واضحاً ومفهوماً للمواطنين فيما يتعلق بتصرفات أوكرانيا على أراضي السودان؟” كما أن رداً علنياً لا لبس فيه من السلطات السودانية من شأنه أن يرسل إشارة إلى الدول الأخرى التي تدعم ميليشيا الدعم السريع.
وأضاف، الأمر الأساسي هو حقيقة أن أوكرانيا تنحاز إلى قوات الدعم السريع في هذا الصراع لمواجهة روسيا التي تدعم الجيش والبرهان، وأوكرانيا، على الرغم من المساعدة النشطة التي تتلقاها من الدول الغربية، مجبرة على التراجع في مواجهة الجيش الروسي على أراضيها، وتبحث عن أي فرصة لإلحاق الضرر بروسيا في مكان ما على الأقل، حتى لو كان في أفريقيا. ولكن هذا جانب واحد فقط من هذا المعادلة.
أما الجانب الآخر، والذي لا يقل أهميةً، فهو أن أوكرانيا أصبحت تحت دين كبير للدول الغربية والولايات المتحدة بسبب دعمهم لها وهي الآن مجبرة على العمل كوكيل لهم في أفريقيا. وقد أصبح هذا واضحًا بشكل خاص بعد تصريحات ترامب بشأن ديون أوكرانيا. فقد قرر الغرب، بعد أن خاب أمله في النظام الأوكراني، استخدام القوات الأوكرانية والمتخصصين الأوكرانيين كمرتزقة للقتال في الخارج، مما اضطرهم للقتال على عدة جبهات أفريقية وآسيوية.
إسقاط طائرة يحمل دلالات عسكرية
نقلا عن تقرير لوكالة “رويترز”، إن صور أقمار صناعية أظهرت أن قوات الدعم السريع تشغّل طائرات مسيّرة جديدة انطلاقًا من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور.
يؤكد ناشطون وسكان في مدينة الفاشر أن طائرات مسيرة أُطلقت من نيالا وقامت بقصف أهداف مدنية في المدينة، مثل آخر مستشفى كبير متبقي فيها.
وقال مصدر من قوات الدعم السريع ومحلل أمني غربي إن إسقاط طائرة تابعة للجيش مساء الأحد أظهر قدرات جديدة لقوات الدعم السريع في مجال الدفاع الجوي في نيالا.
وأضافت الوكالة في التقرير، بأن مصدر محلي يعمل في مجال المساعدات الإنسانية، أفاد بأن الطائرة قامت بقصف المطار مرتين قبل أن تسقط بنيران الدفاع الجوي.
وقال ثلاثة خبراء في مجال الطيران إن الطائرة التي جرى إسقاطها كانت على الأرجح طائرة شحن من طراز إليوشن 76 تماثل تلك التي أُسقطت في شمال دارفور في أكتوبر استنادا إلى لقطات تظهر قطع المحرك ومعدات الهبوط.
وفي سياق ذو صلة، وبحسب تقارير إستخباراتية، وبعد تسليم الجيش الفرنسي آخر قاعدة عسكرية له في تشاد إلى الجيش التشادي، تم إرسال القوات الأوكرانية المرافقة لقوات الجيش الفرنسي، لدعم قوات “الدعم السريع”، ونجحت قوات الدعم السريع خلال 48 ساعة من إستخدام منظومات الدفاع الجوي المتطورة التي كانت متواجدة في مخازنهم منذ العام الماضي وأسقطت طائرتين في نيالا وأم در مان.
ويجدر بالذكر، كانت منظمة العفو الدولية قد وجهت اتهامات مباشرة للإمارات العربية المتحدة وفرنسا بتزويد قوات “الدعم السريع” بالسلاح والعتاد الحربي وبالتكنولوجيا الحديثة التي يتم دمجها بالمدرعات وناقلات الجنود التي تصل للميليشيات المتمردة عبر الحدود مع تشاد.