
متابعات:اللحظة نيوز
وسط القصف المستمر الذي يطول مدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور بغرب السودان، يحتمي المدنيون داخل حفر ضيقة حفروها بجوار منازلهم. عززوا مداخل هذه الملاجئ بقطع من الخشب والحديد، وأحاطوها بأكياس الرمل لحماية أنفسهم من شظايا القذائف.
تعد الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر المدن الكبرى في الإقليم التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني وحلفائه في “القوات المشتركة”، في مواجهة قوات “الدعم السريع” التي تخوض حربًا ضد الجيش منذ أبريل 2023. ولحماية أنفسهم من المدفعية والطائرات المسيّرة، اضطر آلاف السكان إلى حفر ملاجئ تحت منازلهم ومحالهم التجارية وحتى المستشفيات.
قصف مستمر وملاجئ تحت الأرض
ورصد مختبر تابع لجامعة ييل الأميركية، عبر صور الأقمار الاصطناعية، “أضرارًا مركزة” في الفاشر بسبب الحرائق والغارات الجوية. باتت الأسواق شبه خالية، وأصبحت العائلات تعتمد على تقنين الطعام، فيما نُقلت العمليات الطبية إلى تحت الأرض.
في المستشفى السعودي، أحد آخر المرافق الصحية العاملة في المدينة، حفر الطاقم الطبي ملجأ في أكتوبر 2024. ومع اشتداد القصف، بات يُستخدم كغرفة عمليات تُضاء بهواتف الجراحين. يقول أحد الأطباء: “كل انفجار يهز المكان ويزيد التوتر”.
تاريخيًا، كانت الفاشر عاصمة سلطنة الفور التي تأسست في القرن الثامن عشر، وتعني “مجلس السلطان” باللهجة المحلية. أما اليوم، فهي تمثل نقطة استراتيجية في النزاع الدائر، حيث إن سقوطها بيد “الدعم السريع” يعني إحكام السيطرة على دارفور بالكامل وتعزيز موقفها ضد الجيش الذي يسيطر على شمال وشرق السودان.
معركة وجودية ومخاوف من الانتقام
يحظى الجيش في الفاشر بدعم قوي من القبائل المحلية، لا سيما قبيلة الزغاوة التي لها نفوذ في التجارة والسياسة الإقليمية، والتي عانت من العنف العرقي على يد قوات “الدعم السريع”.
في البداية، التزمت شخصيات بارزة من الزغاوة، مثل حاكم دارفور مني أركو مناوي ووزير المالية جبريل إبراهيم، الحياد، لكنها لاحقًا قدمت دعمها للدفاع عن المدينة. وتشكّل الفصائل المسلحة المنتمية إلى الزغاوة جزءًا كبيرًا من “القوات المشتركة”.
يرى المحللون أن “سقوط الفاشر يشكّل تهديدًا وجوديًا للزغاوة، إذ يخشون انتقام (الدعم السريع) منهم بسبب تخليهم عن حيادهم”. لكنهم يشيرون إلى معضلة يواجهها الجيش وحلفاؤه: “الاحتفاظ بالمدينة سيكلفهم موارد هائلة، لكن خسارتها ستكون كارثية”.
شبح المجاعة يهدد السكان
بينما تستعر المعارك، يعاني المدنيون الجوع، والمدينة على شفا المجاعة. أعلنت الأمم المتحدة المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين حول الفاشر، وتوقعت انتشارها إلى خمس مناطق أخرى، من بينها المدينة نفسها، بحلول مايو المقبل.
في شمال دارفور، يواجه نحو مليوني شخص انعدامًا حادًا للأمن الغذائي، ويعاني 320 ألفًا بالفعل من المجاعة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. في ظل تدهور الوضع الأمني، اضطرت المنظمات الإنسانية القليلة المتبقية إلى تعليق عملياتها، حيث تتعرض لهجمات متكررة من قوات “الدعم السريع”.
تحذر ليني كينزلي، مسؤولة الاتصالات في برنامج الأغذية العالمي، من تداعيات كارثية إذا استمر انقطاع المساعدات، قائلة: “نحن أمام جيل ضائع، وسوء التغذية المزمن لدى الأطفال سيترك آثارًا طويلة الأمد قد يستغرق علاجها عقودًا”.