اعمدة الرأي

☘️🌹☘️ *همس الحروف* *هل دخلنا أخيراً عهد المهنية د: الباقر عبدالقيوم 

متابعات: اللحظة نيوز

*في زمن كانت فيه مهنة التعليم مهنة مفتوحة لكل من هب و دب ، بلا حسيب ، و لا رقيب ، و لا تقييم ، حيث كانت الكفاءة تقصى لحساب الواسطة و المعارف ، فاليوم نبتت بوادر أمل في أرض عطشى ، و مضى بصيص من النور يلامس جدران المؤسسات التعليمية ، ليبشر بتحول قد يعيد للتعليم السوداني شيئاً من مجده الغابر ، و نرجو أن يضع أقدامه على أولى درجات السلم نحو الريادة .*

*ما حدث في الولاية الشمالية ، بمدينة حلفا ، أمر يجعلنا نتوقف قليلاً ، لنعيد تقيم كل مواقفنا السابقة في كيفية إختيار كفاءة المعلمين ، و الآن نستشرق لمستقبل واعد و جميل ، بعد التأسيس لامتحانات الحصول على رخصة مزاولة مهنة التعليم في جميع المراحل ، فهذا الأمر ليس مجرد فعل إداري تقني ، بل هو فعلٌ ثوري ، قائم على مبدأ العدالة المهنية ، و ساعٍ إلى إحلال الكفاءة محل المجاملة ، والاستحقاق مكان الولاء ، إنها محاولة جادة لتقنين مهنة ظلّت لعقود تُمارس في بلادنا بدون ضوابط ، و كأن التعليم مجرد وظيفة تُملأ ، و ليست رسالة تُؤدى .*

*السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو هل نحن فعلاً نرسم ملامح عهد جديد ؟ ، و هل يكفي هذا الإجراء ليكون بداية حقيقية لإصلاح منظومة التعليم التي نخرتها المحسوبية ورداءة الإعداد و عدم الكفاءة ؟ .*

*إن اشتراط حصول المتقدم على رخصة ، بعد إجتيازه إمتحانات تحريرية و مقابلات شخصية ، و يلزم ذلك إجتيازه نسبة نجاح محددة ، يعدّ نقلة نوعية في فكر الإدارة التعليمية ، و الأهم من ذلك هو ربط ممارسة المهنة بالمؤهل التربوي ، و إقصاء غير المتأهلين إلا بعد إكمال التأهيل اللازم ، فالمعلم ليس مجرد ناقل معرفة ، بل هو بناء للعقول ، و مهندس لوجدان الأمة ، و لا يمكن أن يترك أمره للصدفة ، أو المجاملات أبداً .*

*في عمق هذا المشهد الإستثنائي ، تلوح إشارات تنبئنا بأنّ السودان بدأ يخطو خطوة واثقة نحو المهنية ، فإذا كُتب لهذا المسار أن يُستكمل ، وأن يتم توسيعه ليشمل كل الولايات ، لابد أن يتم حمايته من التدخلات الفوقية ، فإننا بذلك نكون قد بدأنا فعلاً نقتلع جذور الفساد التي نبتت في تربة التعليم لعقود طويلة ، ونستطيع بذلك أن نعيد لتلك المهنة الجليلة ألقها وهيبتها .*

*و لكن هل هذا كاف؟ ، و هل يمكن لإجراء واحد ، مهما بلغت جديته ، أن يُحدث التغيير المنشود؟ ، الإجابة تتوقف على الإرادة السياسية ، والرقابة المجتمعية ، والمتابعة الدقيقة ، و لا نترك أمرنا على حسن النوايا فقط .*

*إن امتحانات الرخصة ، إذا أُحسن تطبيقها ، وأُبعدت عن دائرة التأثيرات الفاسدة ، ستكون بلا شك حجر الأساس في بناء مؤسسات تعليمية وفق المهنية ، و الشفافية المطلوبة لذلك ، و بذلك ستقف المؤسسات على ساقي العدالة و المعرفة ، و ليس على عكاز المحسوبية و الانتماءات الضيقة .*

*و لا يفوتنا في هذا المقام إلا أن نقف وفقة نسجل بها عظيم الامتنان و التقدير للجهود المخلصة التي بُذلت في سبيل إنجاح هذه الخطوة المفصلية في مسار إصلاح التعليم ، ونخص بالشكر السيد حسن عابدين مناها ، رئيس مفوضية الاختيار للخدمة المدنية بالولاية الشمالية ، الذي أكد بثبات و مسؤولية أن مهنة التدريس قد أصبحت الآن مرتبطة بالحصول على رخصة مزاولة المهنة ، في سعي جاد لتكريس المهنية و إستبعاد العشوائية ، و كما يمتد الشكر موصولاً إلى الدكتورة منى أحمد عمر ، مدير ومنسق المجلس المهني التربوي والتعليمي بالولاية الشمالية، التي قادت بخطى واثقة جهود الإعداد و التنظيم لامتحانات و معاينات الخريجين ، فكانت مثالًا للقيادة الواعية و الإرادة الجادة في ترسيخ معايير الكفاءة و الجدارة ، في مهنة يُبنى عليها مستقبل الوطن .*

*لقد بدأت هذه التجربة في مدينة حلفا ، فهل تعمّ ؟ ، و هل تنضج ؟ ، و هل تُبنى عليها مشاريع أعمق لتطوير المعلم ، و تحسين بيئة التعليم ، و رفع مستوى الطلاب؟ .*

*تلك أسئلة مُلحة ، لن تجيب عنها الكلمات ، بل الأفعال القادمة فقط. أما الآن فكل ما نملكه هو الأمل ، و بعض التفاؤل المشوب بالحذر .*

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
سياسة الخصوصية