اعمدة الرأي

☘️🌹☘️ *همس الحروف* *في حضرة الذكرى من قرية البرصة ، نورٌ من النور الدائم العجيمي* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

متابعة: اللحظة نيوز

 

في قرية البرصة بمحلية مروي بوحدة الشهداء الإدارية تقاطعت الوفود و كأنها سطور في قصيدة أبدية ، حيث تلاقت الوجوه و كأنها ألوان في لوحة مزجها الزمن بأحبار المودة و الوفاء ، حيث كانت الذكرى السنوية لفضيلة الشيخ نور الدائم محمد علي العجيمي أكثر من مجرد مناسبة ، ففي أبسط وصف لها كانت تجلياً حياً لمعانى الانتماء و الامتنان ، و مشهداً إحتفالياً إجتمع فيه المجد و الحنين ، و القول الصادق و النية الطاهرة .

إزدحمت الساحات ، و إمتلأت قرية البرصة بالقلوب المحبة قبل أن تمتلئ بأجساد المريدين و الضيوف ، و توشحت هذه القرية الوادعة (البرصة) بأثوابها الزاهية ، و كانت أثوابها ليست من قماش ، بل كانت منسوجة بالألفة و التقدير و البهاء ، و كان من جمال هذا اليوم هو أن شرف المكان بحضوره الأنيق سعادة الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم والي الولاية الشمالية ، الذي خالف عادات البروتوكول ، فلم يحضر بصفته الرسمية ، فسجل حضوراً جميلاً بروحه ، و بإنسانيته ، و بكلماته التي لم تُلق هكذا ، بل كانت تُرى في بريق عينيه ، و في خطواته الواثقة ، و في التواضع الجليل الذي يميز هذا الرجل النبيل .

رافقه الدكتور ساتي حسن ساتي وزير الصحة ، و كأن السياسة مدت يدها للمحبة ، و كأن المسؤولية إنحنت إحتراماً لذاكرة الروح ، و كان للحفاوة طعم آخر ، إذ أبدع السيد معتصم العجيمي في إستقبال جميع ضيوفه ، فرداً فرداً ، و كان يوزع إبتساماته في كل مكان ، و كان يجعل من كل ضيف مرآة لنُبل المناسبة و خصوصيتها ، فكل من دخل و سلم عليه شعر بأنه هو الشخص المنتظر و المختار ، و أن هذه المناسبة كانت لأجله هو وحده .

كان خطاب السيد معتصم ، متحدثاً من المنصة ، كعقد من ياقوت و كلمات من عبق التاريخ ، تحدث عن كل ما يعبر بنا من ضفاف الحياة إلى أرصفة السكينة ، فنقلنا من جغرافيا المكان المعقدة إلى جغرافيا الإنسان السمحة ، من التاريخ إلى التحديات ، من الجمال إلى الجدوى ، و من الرمزية إلى الواقع ، لم يكن خطاباً ، بل كان نسيجاً من الدهشة و العرفان ، سرد فيه ما لا يقال ، و لامس ما لا يُلمس ، وأضاء ما قد يخبو في الزحام .

و في جانبٍ آخر ، و كأنه عزف على أوتار حنينة صدح الدكتور معاوية الحداد وزير العدل بكلمات من نوع آخر ، كلمات بلا حاجز ، تسللت إلى قلوب الجميع بعفويتها و عفوية المتحدث نفسه ، الذي لا يتصنع الكلام و لا يُجمل الحديث ، فلا صدى فيها للخشب و لا للمنصات ، بل كان وقعها كوقع المطر حين يسقط على أرض لم يصلها الماء منذ أمد بعيد ، دخلت الوجدان و كأنها تعرف كل من فيه ، و كأنها تربت على الأكتاف و تربط على القلوب .

و ختم الإحتفال كما تُختم القصائد العظيمة ، لا بالإنتهاء ، و لكن بامتداد الأثر ، فارتقى الشيخ السر الشيخ إبراهيم خليفة الختمية بالولاية الشمالية ، حاملاً هدوء السالكين ، و صفاء العارفين ، و حنين المحبين ، فكان ختامه عطراً مسكوباً على قلوب امتلأت من قبل بالجمال ، بكلمات عذبة ، لا تطاولت على المعاني بل لامستها برفق ، فاحتفى في حديثه بالسيد الوالي إحتفاء المكرِّم لا المبالغ ، والمحب لا المجامل ، تسللت عباراته كنسيم طيب ، و جاءت ببساطتها لتبلغ من القلوب ما لا تبلغه الخطب الطوال ، فهزت أعماق الحاضرين ، وتركت أثراً بالغاً لا يمحوه الزمن و إن طال ، يشبه دعاء المخلصين في ساعات الصفاء .

ثم جاء حديث السيد الوالي و هو يتبادل أطرافه مع حشد من الضيوف داخل الصالون ، فكان يرص الكلمات المفعمة كرص البنيان الأنيق ، بالمعلومات ، و كان يضع النقاط فوق حروف المرحلة ، فكان حديثه من القلب إلي قلوب متلهفة لسماعه ، ففضفض سعادته و كان في حديثه طمأنينة العقل ، وثبات الخُطا ، حين طمأن الناس عن مستقبل الولاية ، و بشرهم بأن الولاية تمضي قدماً في إستخدام الطاقة النظيفة ، من الشمس و الرياح ، و عن التنمية المستدامة التي ستصاحب ذلك التحول ، و تلك الوفرة في إنتاج الكهرباء ، و تحدث عن روح الولاية التي لا تركن للظروف ، بل تصنع الأمل من رحم المعاناة و التحدي .

كل ركن في قرية البرصة كان يهمس للجميع بأن هذا اليوم ، يوم مختلف ، و كل دقيقة مرت من عمر هذا الإحتفال كانت أشبه بعمر صغير ، من الدهشة و السكينة ، حتى الطقس بدأ و كأنه مشارك في الاحتفال ، حتى الضوء بدا نابعاً من الأرواح ، لا من الشمس .

و في حضرة هذه الذكرى ، علمنا أن العظماء لا يرحلون ، بل يتحولون إلى طقوس في حياتنا ، و إلى مواسم من الخير و الإلهام ، فهكذا كان يوم الشيخ نور الدائم العجيمي نور لا ينطفئ ، و ذكرى لا تغيب ، و إحتفال ليس عابراً ، بل ممتداً في وجدان كل من كان هناك ، و كل من تمنى لو كان في ذاك المكان .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
سياسة الخصوصية