اعمدة الرأي

☘️🌹☘️ *همس الحروف* *الهرم الإعلامي صلاح الدين التوم ، نجم لا يقبل القسمة إلا على نفسه* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

متابعة: اللحظة نيوز

في دروب الإعلام الممتدة ، و في دهاليز العمل الإذاعي ، نجد هنالك نجوم سامقات ، وقامات فارعة ، وخامات من معادن الرجال النقية والنادرة ، لا يقاس عطاءها بطول المقام ، و لا بعدد السنين ، بل بما يتركونه من أثر ، وما يغرسونه من بذور ستورق يوماً ما ، وإن طال بها الزمن ، ومن بين هؤلاء الذين صنعوا الفرق في إذاعة الولاية الشمالية ، بل في هيئة الإذاعة و التلفزيون ، و كتبوا حضورهم بحبر الصدق والإبداع والتميز ، برز اسم الأستاذ صلاح الدين التوم ، كعلم من أعلام الإعلام السوداني ، ووجه مشرق من وجوه الوفاء والاحتراف ، وكرقم وطني مميز كالبصمة لا يتكرر .

قدِم إلى الولاية الشمالية لا كضيف في فترة الحرب ، ولكن سجل حضوره كمارد يحمل في جعبته خبرات تنوء عن حملها الجبال ، و نحن نشهد بضخامة عطائه أحدث نقلة نوعية في العمل الإذاعي بالولاية ، وقد ضخ في أوردتنا المهنية دماء جديدة ، فلم يكن وجوده مجرد محطة عابرة في خارطة إعلام الولاية ، و لكن كان مقاماً رفيعاً من الإلهام و العطاء السهل للمتلقي ، و نجد أن بصمتة كانت مميزة فلا تستطيع الأيام محوها أو تغيبها ، و إن إمتد بها الزمان .

فهو بلا شك كنز مدخر ، أفنى من أيامه عامان ونصف بين أروقة الإذاعة الشمالية ، وقد منحها من وقته وجهده فوق ما كنا نوقع ، وما بخل بفكرة أو نصيحة ، أو حتى تفصيلة صغيرة من شأنها أن ترتقي بالمضمون والمحتوى ، و لكننا ويا للأسف و الأسى لم نحسن التقدير كما ينبغي فقصرنا في حقه ، لا بالإهمال و لكن الظروف لم نساعدنا نحن حتى نستطيع أن نكون عند حسن ظنه فينا ، فكان الظرف عام على الجميع ، فلم نتمكن أن نوفر له ، وكذلك لرفاقه الحد الأدنى من مقومات الاستقرار التي تليق بهم كرموز وطنية سامقة، و خبرات مهنية متراكمة ، فاختار قرار العودة إلى العاصمة ، ليس سخطاً ولا هرباً منا ، بل احتراماً لقيمة ما يحمل ، ووفاءً لمهنته التي لا ترضى إلا بالاكتمال .

إن قرار رحيل الأستاذ صلاح وعودته إلى أم درمان ، العاصمة التي خرجته وعرفته ، هو خسارة جسيمة للولاية الشمالية ، وجرس تنبيه لما يمكن أن نفقده حين نعجز عن خلق بيئة حاضنة للعطاء والكفاءات ، ومع ذلك فإن ما تركه بيننا من فكر وروح وتجربة ، يظل كائناً حياً يتنفس في تفاصيل عملنا ، وفي أصواتنا التي ما زالت تصدح بحروف تعلمت كيف تصاغ من بين يدي هذا النجم الإعلامي .

لقد قصرنا في حقه ، وإن كان العذر لا يبرر التقصير ، فوجوده بيننا مقاماً لا يعوض ، وسيرةً ستظل محفورة في دفتر التأريخ ، فنطلب منه أن يعف عنا ما لم نستطع توفيره ، وأن يستر ما رأى فينا من عثرات ، وأن ينقل عنا ما يليق بجوده لا بجفائنا ، فما عهدناه إلا كبيراً ، فهو إسم على مسمى في إسمه و خلقه (صلاح الدين) ، و عظيم في صبره ، فلقد كان بيننا مدرسة مكتملة الأركان و جميلة البنيان ، لا تغيب عنها الحكمة ولا يُغادرها الضياء و البهاء ، ولكنا وللأسف ، لم ندرك قدر النعمة إلا حين أزف قراره بالعودة إلى أمدمان ، فنعزي أنفسنا على فقده بيننا قبل أن نودعه ، ونحن نعلم يقيناً أن فاتورة غيابه ستسددها أيامنا القادمات خصماً من جودة العمل ، فشكراً له يليق بمقامه ، فأنه رجل تجمل بالمروءة ، وتزين بالنبل ، فكان بيننا كتلك العلامة البيضاء في شعر راسه تميزه وتزينه .

نسأل الله لهذا الهرم الإعلامي الضخم التوفيق والسداد ، وأن يجد في العاصمة مناخاً أكثر ملاءمة ، وأذرعاً مفتوحة تقدر عظم ما يقدّم ، فمثله يُكرم في حياته ، وتُخلد بصماته وهو بين الناس .

فيا أخي صلاح لك مني و من كل شخص بالولاية ، و من كل ركن من أركانها ألف تحية ومثلها من الدعاء ، بأن يبارك الله لك في مسيرتك ، وأن يجعل النجاح حليفك ، والقبول رفيقك حيثما نزلت أو إرتحلت ، لقد كنت نجماً و رمزاً بيننا ، وستبقى كبيراً في قلوبنا ، حتى وإن غبت عن سمائنا ، فأمثالك لا يأفلون .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
سياسة الخصوصية