☘️🌹☘️ *همس الحروف* *يجب كهربة العقول و إنارتها قبل كهربة الأسلاك ، الولاية الشمالية انموذج* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*
متابعة:اللحظة نيوز

في خضمّ الجدل المحتدم الذي يدور في مجالس مدينة دنقلا و مناطق أخرى بالولاية الشمالية ، وقفت مشدوهاً و مبهوراً أمام حجم الافتراء و التبسيط الساذج و السمج لقضية معقدة كقضية الإمداد الكهربائي ، و لقد راح بعض النخب يتداولون شائعة تتحدث عن (اتفاق خفي) بين السيد والي الولاية الشمالية السابق ، الأستاذ عابدين عوض الله ، و مدير عام شركة الكهرباء القابضة ، مفاده التواطؤ مع تجار الطاقة الشمسية على تأخير عودة التيار الكهربائي إلى حين ، طمعاً في أرباح عابرة تُجنى من معاناة الناس .
إن ما يستدعي الوقوف هنا ليس صحة هذه الادعاءات او عدم صحتها ، لأنها لا و لن تصمد أمام أبسط مقومات التحليل العقلاني ، بل ما يستوقف العقل حقاً هو هذه القابلية المدهشة من النخب و ليس العوام لتصديق ما لا يعقل ، و تمريره كحقيقة واقعة في المجالس و المنتديات ، متجاهلين ما هو معلوم لديهم ، و معلن لهم ، و متوفر لكل باحث عن الحقيقة ، بعيداً عن إستثارة العاطفة أو توظيف الألم الشعبي لأغراض لا علاقة لها بالصالح العام .
الحقيقة ببساطة ، أن مسألة الكهرباء في السودان (شماله وجنوبه ، شرقه و غربه) ، هي شأن اتحادي صرف ، تخضع لتقديرات فنية و مالية على مستوى المركز و ليس الولايات ، وتدار من قبل إدارة الكهرباء في المركز ، و ليس للولاة أي سلطة تنفيذية مباشرة عليها ، و عليه فإن تحميل السيد الوالي ، سواء كان اللواء ركن (م) عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم أو من سبقه مسؤولية هذا الملف ، يعتبر هذا الأمر تجني على الواقع و تشويش متعمد أو غافل للحقائق الواضحة لكل الناس .
أما ما جرى فعلاً ، هو أن محولات مروي الرئيسية التي تغذي الولاية تعرضت لإصابات بالغة نتيجة لإستهداف المليشيا لها ، و على الرغم من مساعي الحماية التي قام بها الوالي السابق عابدين آنذاك ، حيث تم تغطية محولات الكهرباء بحاويات معدنية لتقليل نسبة الضرر إذا وقع ، إلا أن الابتلاء حدث كما هو معلوم للجميع .
منذ ذلك الوقت ، و فنيو الكهرباء يبذلون جهود حثيثة لصيانة ما أُفسدته آلة الدمار ، و ما زالوا يصلون ليلهم بنهارهم من أجد إرجاع التيار ، و في نفس الوقت كان أحد الخيارات السريعة المطروحة هو إستيراد الكهرباء من الجارة مصر ، و قد وافقت القاهرة بدايةً على تزويد السودان بـ20 ميغاواط ، مع وعود برفعها إلى 75 ميغا ، و لكن هذه الإمكانية الأخيرة إصطدمت بعقبة ثقيلة ، و هى مديونية تجاوزت ال 100 مليون دولار لم تسدد بعد من قبل وزارة المالية السودانية .
و شركة الكهرباء المصرية، برغم استعدادها الفني ، إلا أنها لا تستطيع أن تستمر في تزويد السودان بالكهرباء في ظل هذا التراكم الكبير من الديون دون ضمانات حقيقية أو جدول زمني للسداد. و هذا حق طبيعي لمصر يجب أن يحترم ، و هذا الأمر لا يملكه لا والي الولاية و لا حتى إدارة الكهرباء القومية نفسها .
فلماذا إذن هذا القذف المجاني للناس بالباطل؟؟؟ ، و لمصلحة من تصاغ هذه الروايات الباهتة و المختلقة ؟؟؟ ، و لذلك يجب رفع العقول اولاً ، لأن العقول النيرة لا تنقاد وراء الشائعات و لا تصنعها ، بل تُضيء الظلام بالمعلومة الدقيقة والتحليل العميق ، و من المؤسف أن نجد بيننا من يختار تسفيه العقول ، وتحويل المأساة إلى مسرحية هزلية من نظريات المؤامرة .
إن احترام الألم الشعبي لا يكون بتغذيته بالوهم ، بل بتقديم الحقيقة مجردة كما هي ، حتى وإن كانت موجعة ، لأن المواجهة الصادقة أكثر نفعاً من المسكّنات الكلامية ، و لعل من الجدير أن نوجه النداء الحقيقي إلى من يملك القرار ، و هو وزارة المالية الاتحادية ، فبمجرد تسديدها للمتأخرات ، سيتاح ضخ الكهرباء من مصر مباشرة و فوراً ، و ستخف حدة الأزمة حينها ، و سيعود التيار إلى مدن وقرى الشمال المتعطشة للضوء.
و لهذا يجب أن يعلم الجميع بأن الكهرباء ليست مسؤولية ولائية ، بل هي مسؤولية إتحادية ، و المحاسبة العادلة تبدأ من معرفة من يملك القرار ، و من لا يملكه. فلنوجه وعينا نحو الفاعل الحقيقي ، لا نحو الشماعات الجاهزة .
و الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل