اعمدة الرأي

همس الحروف بورسودان بين براثن المليشيا ، و خنق الأمن على يد تسعة طويلة

اللحظة نيوز

☘️🌹☘️

همس الحروف
بورسودان بين براثن المليشيا ، و خنق الأمن على يد تسعة طويلة
د. الباقر عبد القيوم علي

لم تعد القصة حكاية تروى في المجالس ، ولا شائعة تتناقلها الألسن في المقاهي ، بل هي واقع مرير يتجدد مع كل شمس كل يوم تشرق علينا ، و تتكرر هذه المشاهد في وضح النهار دون خوف أو وجل ، فبورسودان ، المدينة التي كانت ملاذاً للهدوء ، أضحت اليوم مرتعاً للفوضى ، وملجأً لعناصر تسعة طويلة ، الذراع الخفي للمليشيا ، الذي تغلغل في شوارعها ، و أزقتها حتى كاد أن يصبح جزءاً أصيلاً من نسيجها اليومي ، و ها نحن ندق ناقوس الخطر ، فهل من مستجيب؟ .

أحداث السرقة و النهب والترويع أصبحت علامة مميزة لهؤلاء ، لا يتحركون تحت جنح الظلام كما يفعل اللصوص ، بل يسيرون في وضح النهار و كأنهم في عرض عسكري ، يحملون سلاح الجبن ويمارسون الإرهاب الفردي ، و يتعمدون إرسال رسالة قوية في بريد الشعب بأنهم خارج القانون ، بينما القانون نفسه يرتجف أمامهم ، لأنه مقيد بتشريعات رخوة ، أو بتواطؤ خفي من بعض المجموعات التي تلبس لباس الدولة .

و ما حادثة الزميلة الصحفية إنتصار جعفر إلا صفعة مدوية في وجه من يروجون لمقولة أن المدينة آمنة ، فأن إستهداف صحفية في وضح النهار ، و أمام أعين الناس لهو دليل على أن أجهزة الأمن ، و إن وجدت فإنها في تلك الأماكن المأهولة بالناس ، فإنها تراقب المشهد بصمت ، أو عن بعد ، أو تشارك فيه بعين العارف الصامت لبعض الإعتبارات ، إنها ليست خلية نائمة كما يروج البعض لذلك ، بل انها خلايا متأهبة تمارس فعلها الإجرامي بحصانة غير معلنة ، وتستقوي بسلاح الفوضى ، و ظهرها إلى جدار دولة منهكة .

ما نعيشه اليوم هو امتداد لفصول مؤامرة بدأت منذ سنوات ، حينما تمت زراعة ظاهرة تسعة طويلة في جسد الخرطوم ، لا كجريمة عابرة ، بل كتكتيك ممنهج يهدف إلى تفكيك هيبة الدولة ، وإرباك الوعي الجمعي و خلق بلبلة في المشهد العام ، وبث الرعب في قلوب المواطنين ، فاليوم هذه الظاهرة تنتقل بكل تفاصيلها القذرة إلى مدن كانت بمنأى عن الجريمة المنظمة ، حاملة معها سكاكين الخوف ، وعصا المليشيا ، و مطرقة الفوضى .

نحن أمام واقع يستدعي وقفة صارمة ، ليس فقط من الشرطة التي ينبغي أن ترتفع جاهزيتها إلى مستوى التحدي ، بل من الدولة التي يجب أن تسن قوانين استثنائية تحمي أرواح المواطنين ، و ممتلكاتهم ، و تمنحهم القوة و الحق الكامل في الدفاع عن أنفسهم حسب ما يستدعيه مسرح الجريمة ، حتى لو كان الثمن حياة من تسول له نفسه العبث بأمن الناس .

لقد آن الأوان أن نتحدث بلا مواربة ، فهؤلاء ليسوا مجرمين عاديين ، بل أدوات حربية حية بلباس مدني ، ينفذون خطة تخريب ممنهج ، و يدسون أنفسهم تحت مظلة العوز و التهميش .

والرد على هذه الخطة لا يكون بالدعاء ، و لا بالبيانات ، بل بالقانون الرادع ، والقوة الحاسمة ، و بإرادة لا تعرف التردد .

لقد خسرنا كل ما نملك ، لا لأننا عاجزون ، بل لأننا آمنا بدولة لا تزال تحارب النار بقطرات من بروتوكولٍ ممل ، وبخطاب بارد لا يوازي حجم الدم المسفوك ، ولا الخراب المنثور ، لقد ضاع منا الوطن ، و ذلك ليس لمباغتة العدو لنا ، بل لإستكانتنا و صمتنا ، و لإنتظارنا لعدالة بلا أنياب ، و قانوناً بلا ذراع .

*لم تهزمنا تسعة طويلة ، بل هزمنا تردد الدولة في تسميتهم بما هم عليه ، إنهم مليشيا مارقة عن القانون ، و عصابة تمشي على قدمين .

إن الحق الذي لا يُؤخذ بقوة تتكسر أمامه الجبال ، و يكون ذلك في مسرح الجريمة نفسها ، يعتبر المسؤول لأخذ هذا الحق مقصر عن حماية أمن المواطنين ، و هذه الهشاشة التي لا نعرف لها سبب في التعامل مع هذه المليشيا التي تسمى بتسعة طويلة ، لا تليق بعنف اللحظة ولا بجراح الناس ، نرجو من الدولة حسم هذه الفوضي ، أو دعونا نأخذ حقنا بأيدنا .

اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
سياسة الخصوصية