الأمين السياسي لحزب البعث القومي في حوار جرئ

شهدت الساحة السودانية في الآونة الأخيرة تطورات متسارعة على المستويين العسكري والسياسي.
فعلى الأرض، حقق الجيش السوداني تقدمًا ميدانيًا ملحوظًا، وُصف بـ”الدراماتيكي”.
في المقابل، شهدت القوى المدنية المناهضة للحرب تحركات داخلية، تجلت في انقسام تنظيم “تقدم” إلى مكونين يحملان رؤى متباينة، رغم اتفاقهما على الأهداف العامة.
هذا التباين أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل العمل السياسي المدني، ودوافع هذا الانقسام، ومدى تأثيره على الحراك الثوري وأهداف ثورة ديسمبر.
“اللحظة نيوز” طرحت هذه الأسئلة على الأستاذ كمال بولاد، الأمين السياسي لحزب البعث القومي والقيادي السابق في “تقدم”، والذي تحدث بصراحته المعهودة عن خلفيات الأحداث ورؤيته للمستقبل.
——————————————————-
### فك الارتباط داخل “تقدم”: خلاف ناضج أم انقسام سياسي؟
يقول الأستاذ كمال بولاد إن ما حدث في “تقدم” مؤخرًا يُعد تجربة فريدة تضاف إلى رصيد الحركة الوطنية السودانية،
مشيرًا إلى أن “فك الارتباط” تم بطريقة ديمقراطية خالية من المشاحنات التي عادةً ما تصاحب مثل هذه الانقسامات.
بدأت الخلافات منذ اجتماع الهيئة القيادية في عنتيبي في نوفمبر الماضي، حيث طُرح موضوع تشكيل حكومة.
دار نقاش مفتوح دام أكثر من ثلاث ساعات، ونتج عنه تشكيل آلية سياسية تضم أكثر من 30 عضوًا يمثلون مختلف مكونات “تقدم”.
وقد توصلت هذه الآلية إلى تقرير تم رفعه إلى اجتماع الهيئة في 10 فبراير،
حيث تم حسم القرار في مناخ ديمقراطي وروح رفاقية، أكدت على الأهداف الأساسية:
وقف الحرب، استعادة السلام، والوصول إلى الحكم المدني من خلال عملية سياسية يتوافق عليها السودانيون.
ويضيف بولاد أن من اختاروا خيار تشكيل الحكومة هم ذاتهم من كانوا في مواقع دستورية في فترة الانتقال،
وكانوا ضمن القوى الرافضة لانقلاب 25 أكتوبر 2021، خلافًا لآخرين تماهوا مع الانقلاب.
وأثبتت الأيام – بحسب قوله – أن الانقلاب كان هشًا وفاشلًا.
وعقب فك الارتباط، توجهت 13 حزبًا سياسيًا، و17 جسمًا نقابيًا ومهنيًا، و8 تنسيقيات ولجان مقاومة،
إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني والمتقاعدين العسكريين وأشخاص ذوي إعاقة، إلى تأسيس تحالف جديد تحت اسم “التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)”
متبنين موقفًا واضحًا بعدم الانحياز لأي طرف من أطراف الحرب والعمل على إيقافها عبر النضال المدني السلمي.
### هل كان لفك الارتباط دوافع جهوية أو إثنية؟
يرفض بولاد هذا التوصيف، موضحًا أن خطاب الكراهية والعنصرية الذي يتمدد حاليًا هو نتاج مباشر للحرب الراهنة وممارسات السلطة غير الشرعية، بالإضافة إلى إرث الحكم الإسلاموي الذي دام ثلاثين عامًا.
ويرى أن خطاب التمييز العرقي والجهوي هو أحد أهم التحديات التي واجهت – وما تزال تواجه – بناء الوحدة الوطنية.
ويؤكد أن النقاشات التي دارت حول فك الارتباط كانت موضوعية ولم تُبْنَ على أسس إثنية أو جهوية، بل انطلقت من تقييمات سياسية تتعلق بمصير الوطن ومواقف الأحزاب.
ويشير إلى أن من يقود “صمود” اليوم هو ذاته من كان رئيسًا لـ “تقدم”، ما يعكس عمق الخلاف السياسي وليس الشخصي أو الجهوي.
### ما هو مستقبل “صمود” وخطواته القادمة؟
يوضح بولاد أن “صمود” هي امتداد طبيعي للمشروع الوطني الذي تبنته “تقدم”، والمتمثل في إيقاف الحرب وعودة الحكم المدني عبر عملية سياسية شاملة. وستعمل “صمود” على توحيد الصف المدني وتكوين جبهة واسعة تضم جميع القوى الثورية والمدنية، داخل وخارج السودان، وتفعيل دور السودانيين في الشتات، إلى جانب التنسيق مع المجتمع الدولي والإقليمي.
كما أكد أن “صمود” ستسعى للتواصل مع أطراف الحرب بهدف إيقافها والتوصل إلى اتفاق يُفضي إلى وقف نزيف الدم، وبناء جيش وطني موحد، وحل المليشيات.
### هل كانت هناك ضغوط داخلية أو خارجية خلف فك الارتباط؟
يرفض بولاد نظرية المؤامرة، ويؤكد أن القوى الوطنية تتحمل مسؤولية الحفاظ على وحدة الوطن،
وأن مشروعها السياسي مبني على الوحدة ومحاربة الاستبداد.
ويشدد على أن لا مجال لأي ترتيبات “تحت الطاولة” تعيد إنتاج الشمولية،
مشيرًا إلى أن وعي السودانيين الذي صنعته ثورة ديسمبر لا يمكن التراجع عنه، رغم قساوة الحرب.
### هل كانت “صمود” خطة جاهزة مسبقًا؟
يقر بولاد بأن البعض قد يرى أن الانتقال السريع من “تقدم” إلى “صمود” يوحي بوجود خطة مسبقة،
لكنه يوضح أن الواقع المتسارع في البلاد فرض هذا التحرك السريع،
وأن ما تم حتى الآن هو ترتيبات مؤقتة سيتم تقييمها وتطويرها لاحقًا.
ويختم بأن مشروع الجبهة المدنية سيظل مستمرًا، وأن “صمود” ستكون أداته الأساسية في هذه المرحلة الحساسة.