☘️🌹☘️ *همس الحروف* *بين قطيع الإبل و تقاطع السلطة السلطة و حكاية وطن جريح ينزف* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*
متابعة: اللحظة نيوز

☘️🌹☘️
*همس الحروف*
*بين قطيع الإبل و تقاطع السلطة السلطة و حكاية وطن جريح ينزف*
✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*
في صحراءٍ لفحها القيظ ، و ألهبتها حرور الشمس ، وعصفت بها ريح العطش و العنت ، حيث سكنت رمالها قوافل الصبر منذ أزمان بعيدة ، خرج التاجر سيف الدين بقطيعه ، و الأمل يحدوه ، و النية الطيبة تصحبه ، عازماً أن يطرق أبواب الرزق الحلال من بوابة الصادر ، حيث اعتادت الإبل أن تعبر إلى إحدى دول الجوار ، كما هو دأب أهل المهنة منذ عقود بعيدة .
لكنّه لم يكن يدري أن رحلته هذه المرة ستنقلب إلى مأساة ، و أنه سيكون بين فكي كماشة ، فإن وقع في يد المليشيا ، وصم بالتهريب و الخيانة ، وإن نجا منهم ، وقع في قبضة من يتذاكى عليه باسم القانون ، فيرميه بتهمة التعاون مع العدو أو يعتبره العدو نفسه ، في مشهد عبثي يسلب فيه الحق ، ويدان فيه البريء ، ويُكافأ فيه الجلاد .
لقد أصبح الصادر هذه الأيام ليس مجرد سلعة ، بل تهمة متنقلة ، و وقوداً لحرب خفية بين أطراف تتباين عندها النوايا ، و تتفق عليها الأهداف التي تؤدي خنق شريان الاقتصاد القومي و المحلي ، و وأد الأمل في مهده قبل أن يولد .
الجهة الأولى ، التي لا تخفي عداءها للإقتصاد الوطني ، هي المليشيا التي أعلنت صراحة أن لا سبيل لصادرات دارفور إلى ولايات بلادنا الآمنة ، في عرفهم تعتبر أرض خصم شرس لهم ، و أن الدولة السودانية في عقيدتهم عدو أشر ، فكان قرارهم الجبان أن تُصادر الإبل التي تتوجه إليهم ، فأغلقوا الطرق أمامهم ، و حاصروا العرق و الكدح الحلال .
لكن الطامة الكبرى لم تأت من هناك فقط ، بل من داخلنا ، من بطون السلطة المحلية ، التي تسكن مكاتبها الوثيرة ، و لا ترى بعينها المجردة أن في قرارهم فرصةً لتطبيق قرارات المليشيا ، و هم أشرس في ذلك منها .
ولكم أن تتخيلوا المشهد تاجر إستخدم كل وسائل التمويه و دفع من حر ماله الرشاوي ليكسر قرارات المليشيا ، و ينجو بحلاله منها ، ليصل إلى أرض يُفترض أنها تحت حماية القانون ، ليُفاجأ بمن يوقفه ، ويصادر قطيعه ، و يشهر به بتهمة الخيانة والعمالة ، والإرتزاق ،، و يا للمفارقة ، (من يخدم من) ، هل الشخص الذي أوقفه بإسم القانون ، كسر قرار المليشيا ، أم طبّقه داخل حدود دولة القانون ؟ ، سؤال يحتاج إلى فتوى من أهل الإختصاص .
هذه ليست مجرد قصة فرد ، بل أنها قصة وطن ينهش من أطرافه ، و يباع في سوق المصالح ، ويذبح عند كل معبر ، ويتم تكسير ضلوعه في دهاليز الإدارة البيروقراطية التي لا تعى ما تفعل .
أصبح التاجر السوداني اليوم غريباً في وطنه ، عدواً في أرضه ، ومتهماً حين يحاول النجاة ، فصادرات الإبل التي كانت في يوم من الأيام مصدر فخر ، ورافداً مهماً للخزانة العامة ، أصبحت الآن ضحية صراع لا يرحم أحد ، بين بندقية منفلتة ، و سلطة بلا بصيرة .
إن ما يحدث اليوم ليس عرقلة لصادر ، بل حصار لعصب الاقتصاد ، وتجفيف لضرع الوطن ، وتجريم للكادحين الذين لا سلاح لهم إلا الكد و العرق و الصبر ، و لو حملوا السلاح كما حمله غيرهم لإحترمهم الجميع .
فمن الذي يخدم المليشيا إذًا؟ ، أهو ذاك الذي واجه المليشيا ورفض أوامرها ؟ ، أم ذاك الذي أمعن في تنفيذ قوانينها بحرفيتها متخفياً بثياب الدولة ؟ .
السؤال نطرحه بكل شفافية و الإجابة باتت واضحة للجميع كوضوح الشمس في رابعة النهار ، و سيعلم الجميع في القريب العاجل من الذي باع الوطن ، بجهله أو متعمداً ، فهل هو الذي وصل بقطيعه إلى بر الأمان ليزيد قيمة مضافة للإقتصاد ، أم الذي أفرغ خزينة الدولة من محتواها بقرار أرعن .
و الله من وراء القصد