☘️🌹☘️ *همس الحروف* *مدينة دنقلا بين السلم المجتمعي و شبح البندقية* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*
متابعة: اللحظة نيوز

☘️🌹☘️
*همس الحروف*
*مدينة دنقلا بين السلم المجتمعي و شبح البندقية*
✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*
دنقلا لا تزال في وجدان أبنائها واحة للسلام ، و سكانها أناس بسطاء ينسجون تفاصيل أحداث يومها الذي يمر بخيوط الود و الألفة ، و لا يعرفون العنف أبداً ، و شعبها شعب معروف عبر العصور بحلمه ، و لا يحمل عصاً ، و لا سكيناً ، فهو شعب مسالم ، متمسك بقيم النبل و الضيافة ، و الكرم ، فهو زاهد في الخصام و المشاكل .
نجد مواطن هذه المدينة كارهاً للصوت العالي عند التحدث ، فضلاً عن أصوات الرصاص و نيران البنادق .
الآن هذه المدينة الطيبة أصبحت اليوم تعيش على إيقاع مختلف ، و صار مظهرها العام غير محتمل ، كثر فيها أناس ليس من أهلها يحملون السلاح في شوراعها ، و بعضهم من الوهلة الأولى يشعرك بأنه غير مسؤول عن ضبط سلوك نفسه فضلاً عن حمايته للآخرين ، و أصوات بنادقهم تتسلل بين الأزقة والطرقات ، فتوقظ في النفوس قلقاً شديداً ، و تدخل في العيون حيرة ، و تبعث في الأرواح أسئلةً كثيرة عن المستقبل القريب ، و مصير الأمن المجتمعي .
الوجود المسلح لهذه القوات داخل المدينة يبعث القلق و الخوف ، و قد بث الرعب في قلوب نسائها و أطفالها ، فما هي جريرة هؤلاء البسطاء لتحمل هذا الرعب و الخوف الذي أصبح يشكل فزاعة بين الفينة و الأخرى حين تتعالى أصوات السلاح في هذه المدينة المعروفة بهدوئها ، و ما ذنب المواطنين في ذلك ومجموعات مسلحة تتجول في وسطهم ، و بعض جنودها متفلت و خارج عن الإنضباط و في حالة سكر ، هذا الوجود الذي لا يشبه نسيج دنقلا الاجتماعي ، بات يفرض واقعاً لا يشبه المدينة ، و لا يليق بها .
لقد غيرت هذه القوات وجه دنقلا الآمن الوديع ، و هي بثيابها العسكرية ، و لهجة جنودها المتوترة ، و قيادة أفرادها لسيارات غير مقننة ، كل هذا السلوك أدخل على سكانها شعوراً بالريبة و الخوف. و صار المواطن يخشى الخروج ليلاً لقضاء أي أمر ، و يتلفت نهاراً متوجساً ، و مفزوعاً من أصوات الأعيرة النارية التي تخترق سكون الليل بلا مناسبة ، فتنتزع من القلوب طمأنينتها .
لا بد أن نقولها بصدق وشجاعة إن استمرار هذا الوجود المسلح داخل المدينة يمثل تهديداً مباشراً للسلم المجتمعي ، ويخلق مناخاً محتقناً قابلاً للاشتعال عند أي احتكاك ، يجب أن يتم التعامل مع هذه الظاهرة بحزم و وضوح ، فدنقلا ليست ساحة حرب ، و لا ينبغي أن تصبح كذلك ، المطلوب اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، سحب كافة المظاهر العسكرية من داخل المدينة ، وإعادة تموضع هذه القوات خارج النطاق المدني ، حماية للأمن المجتمعي ، وصوناً لقيم المدينة التي لا تعرف للعنف سبيلاً .
دنقلا المدينة المتجذرة في الضمير الجمعي للسودانيين كرمز للسلام والطمأنينة ، لا تستحق هذا الشكل المُقلق ، فكيف يعقل وجود أشخاص بعضهم مخمورين و يحملون أسلحة نارية و يتجولون في وسط المدينة ، و علاوة على ذلك غضوبين ، يختلقون الإختلافات مع المواطنين لأبسط و أتفه الأسباب ، و لا يحترمون النظام و لا ينصاعون إلى توجيهات الأجهزة النظامية ، نحن لسنا دعاة لعنصرية بغيضة ، و لكننا نرفض الوجود المسلح في وسط المدينة ، و نرحب بكل ضيف مدني مسالم ، فليكن صوت العقل هو الأعلى ، ولتُحمى هذه المدينة من كل ما يعكر صفوها ، ولتبق كما كانت بلداً آمناً لأبنائها ، وصورةً ناصعة في مرآة الوطن .
نرفع أصواتنا عالية ، لا رجاءً بل موقفاً مبدئياً ثابتاً لا يقبل المساومة ، لا مكان لأي فرد مسلح داخل مدينة دنقلا ، و نحن نعلم أن بعضهم أتوا كمرافقين لمصابين بالمستشفى العسكري و ليس لهم سكنات خارج المدينة ، نحن نقدر ذلك و لكن يمكن للشرطة العسكرية عمل مخزن يتم فيه جمع السلاح منهم إلى حين مغادرتهم المستشفى العسكري معافيين إن شاء الله ، و نقول للجميع : شاء من شاء و أبى من أبى ، لا نقبل أن يدخل مدينة دنقلا أي (مسلح) ، فليدخلها كما يُعرف عن أهلها ، و كما شهد تاريخها بأنها مدينة آمنة ، تستقبل زوارها بالترحاب ، لا بفوهات البنادق ، فمرحباً بمن يأتيها فرداً أعزلاً و مدنياً ، و مؤمناً بالسلام ، و بأعراف هذه المدينة السمحاء ، أما من يحمل السلاح فمكانه ليس بين الأحياء ، و الأسواق ، بل خارج المدينة حيث لا يهدد أمن الناس ، و لا يزرع الخوف في القلوب ، هذه المدينة ليست ثكنة عسكرية ، ولن تكون كذلك .
و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل