أخبار عاجلةاعمدة الرأي

☘️🌹☘️ *همس الحروف* *دموع الفرح التي ذرفناها* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

متابعة: اللحظة نيوز

 

دموع الفرح التي ذرفناها لم تكن كأي دموع تذرف ، إنها دموع الرجال ، و هي أثمن ما يمكن أن تهبه الروح حين تختلط المشاعر بالعزة ، و الذاكرة بالألم ، و النصر بالدم ، و لم تكن دموع ضعف أو انكسار ، بل هي دموع لحظة خالدة إجتمع فيها وجع التضحيات ، و صبر الأيام الطوال ، و انتظار النصر الذي طال ، و لكنه جاء مكللاً بالجلال و المجد ، هذه الدموع لا تنهمر من العيون فحسب ، بل تفيض من أعماق القلب المثقل بذكريات الشهداء ، ونداءات الأمهات ، و صبر الزوجات ، و آهات المغتصبات ، و دموع الأطفال الذين حلموا بوطن لا تلوثه المليشيا ، و من ساندها ، و لا تدوسه أقدام الخونة و إن ظهروا بمظهر الوطنية .

كم كتمنا هذه الدموع في صدورنا و نحن نتابع أخبار الخراب و الخذلان ، و كم كبلنا الحزن و نحن نشاهد راية الوطن تدنس في كل مكان ، و أرضه تغتصب ، و كرامته تهان ، و ها هي اليوم تنفجر في لحظة مجد ، تذرفها العيون كأنها تطهر القلب من أدران القهر ، و كأنها تسقي تراب العاصمة المطهرة من رجس المليشيا ، إنها الدموع التي لا يخجل منها الرجال ، بل يتباهون بها ، لأنها شهادة على صدق الانتماء ، و على أن النصر حين يأتي ، لا يستقبل بالصمت ، بل بالبكاء الذي يعيد للروح توازنها وللقلب طمأنينته .

هي دموع وطنية خالصة ، تحمل في ملوحتها طعم الدم ، و في حرارتها لهيب المعاناة من التشرد و النزوح و الإفقار و العوز ، و لكنها في ذات الوقت ، تنطق باسم الفخر و الكرامة ، و تهمس بأن التضحيات لم تذهب سدى ، و أن الوطن حين يبكي رجاله من الفرح ، فإن ذلك يعني أن كل شيء يمكن أن يستعاد ، مثل الأرض ، و الحق ، و العزة ، و الإنتصار لمرارة العرض و الشرف .

في هذه اللحظات ، و أنا أجهش بالبكاء ، فتختلط الدموع بالكلمات ، فهي دموع الفرح بالنصر ، و دموع الكرامة التي استعدناها بعد طول انتظار ، و ما أعظم أن ترى الوطن الجريح ، المكلوم ، ينهض من بين الركام شامخاً ، كأن كل جرح فيه صار وسام شرف ، وكل شهيد نجم يضيء درب المجد ، لحظة كهذه يصعب وصفها ، و لكن يجب أن نعيشها بتفاصيلها ، تنبكى ، ونسجد لله شكراً عليها ، لقد انتصرنا ، فليهنأ الوطن ، و لتسم أرواح من ضحوا لأجل هذا المجد الخالد ، كم هم عظماء .

و ها نحن نستمع لبيان قوات الشعب المسلحة الباسلة ، ذاك البيان الذي تلاه سعادة العميد ركن نبيل (النبيل) ، الذي سطرت كلماته التي تلاها بحروف من نور و نار ، و أعلن فيه للعالم أجمع ، ذلك العالم الجبان الذي وقف متفرجاً علينا طيلة سنتين ، و شهر ، و خمسة أيام و الذي قال فيه : ( أن ولاية الخرطوم) قد تحررت ، إنها قلب الوطن ، و عاصمته الأبية ، و قد تطهرت تماماً من دنس المليشيا ، و أوباشها ، و هذ البيان لم يكن مجرد كلمات تليت ، بل كان صدى لبطولات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، و مضوا بثبات ، و إيمان يقاتلون عصابات الغدر و الخيانة حتى انتصر الحق وإنهزم الباطل مع وجود ترسانته المتطورة .

كم هي رمزية العاصمة حين تتحرر !! ، فالخرطوم ليست مجرد مدينة ، بل رمز سيادتنا و وحدتنا ، و رمز إرادتنا التي لا و لن تنكسر أو تلين ، فتحريرها ليس نصراً عسكرياً فحسب ، بل هو إعلان صريح بأن الوطن لا يُهزم ، و أن الشعب حين يلتف حول قواته المسلحة ، لا تقف أمامه أي قوة .

كم أنت عزيز يا وطن ، و كم أنت غالٍ يا شعب ، إنه شعب عصي على التحدي ، لن يهان و لن ينكسر، و سيظل سنداً قوياً ، و ظهيراً لجنده الأوفياء ، يمدهم بالقوة البشرية و الدعاء، و الصبر ، و الإيمان بأن النصر قريب ، و اليوم، أُعلن أن العاصمة الخرطوم بأضلاعها الثلاث خالية تماماً من المليشيا ، فإنها لحظة نرفع فيها رؤوسنا عالياً ونقول : نحن أبناء هذا الوطن الذي لا يباع، ولا يخدع، و لا يُقهر .

عهد جديد نكتبه الآن و ناطره بدمائنا ، بأننا لن نتوقف حتى تطهّر كل بقعة من تراب هذا البلد العظيم ، و حتى تعود راية العزة خفاقة فوق كل شبر دنسه الخائنون و العملاء ، فالنصر ليس نهاية ، بل بداية طريق نحو سلام حقيقي يُبنى على التضحية ، و السيادة ، و الولاء المطلق للوطن وحده .

نسأل الله ان يمد.جنودنا بالقوة و أن يتقبل شهداءنا الأبرار ، و نساله عاجّل الشفاء لجرحانا ، و أن يرد أسرانا أعزة كراماً لأحضان الوطن ، و ستبقى رايتنا خفاقة ، ما دامت هناك دموع فرح تسيل من أعين الرجال .
و (نصر من الله وفتحٌ قريب وبشرالمؤمنين)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
سياسة الخصوصية