اعمدة الرأي

دكتور ادريس السيدالبدوي*تأمل بدقة في أهمية التدافع في انتعاش الأفكار!*

متابعة: اللحظة نيوز

*من المؤكد أن أجواء الحرية توفر بيئة خصبة لازدهار الثقافة وازدهاء الأدب، حيث يطمئن الناس على حياتهم فتنتعش المساجلات العلمية والمناظرات الفكرية، وينبعث قانون التدافع ليؤدي وظيفته في مجال الفكر مما يثمر ما هو أفضل وأنفع من جو السكون الذي يصنع ركودا معرفياً وتأسّنا ثقافيا!*
*ونضرب المثل بمصر كبرى البلدان العربية، فلما كانت قد امتلكت قبل ثورة يوليو ١٩٥٢م هامشا معقولا من الحرية، فقد انتعشت فيها الأفكار والآداب والفنون بصورة شديدة الوضوح، ونبغ في هذه الفترة العديد من أعلام الفكر وأساطين الثقافة وعمالقة الفن، من كل المدارس والاتجاهات وفي مختلف الميادين، وحتى التجاوزات التي تحدث في جو الانفتاح كضريبة للحرية غير المنضبطة، فإنها توقظ ردود فعل إيجابية وفقا لقانون التدافع الضروري لتجدد الحياة.*
*وعلى سبيل المثال لو لم يؤلف علي عبد الرزاق كتابه الشهير (الإسلام وأصول الحكم) الذي حشد فيه الأدلة على أن الإسلام دين لا دولة فيه، لما ظهرت العديد من المؤلفات المتميزة في السياسة الشرعية وعلى رأسها الكتاب الشهير للدكتور عبد الرزاق السنهوري (فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية)، والذي كان رسالة دكتوراه ناقشها في جامعة السوربون الفرنسية.*
*ولو لم يُخرج د. طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي طبق فيه منهج الشك الديكارتي على الشعر العربي وبعض قصص القرآن، لما رأت النور عديد من الكتب النافعة التي ردت عليه مظهرةً عظمة القرآن، وعلى رأسها كتاب (تحت راية القرآن ) لمصطفى صادق الرافعي!*
*ولو لم يؤلف خالد محمد خالد كتابه (من هنا نبدأ) الذي نظّر فيه لمسألة فصل الدين عن الدولة مؤكدا أن المسلمين لن يتقدموا إلا حينما يصنعون كما صنع الغربيون، لما قرأنا عددا من الكتب القيمة في هذا الإطار، وفي مقدمتها كتاب الشيخ محمد الغزالي (من هنا نعلم) الذي أوضح فيه بجلاء أن أزمة المسلمين أزمة فهم لدينهم، وأنهم لو استوعبوا القيم الحضارية الثاوية في القرآن لسادوا العالم كما فعل أسلافهم !*
*ويبدو من هذه الأمثلة أن الكتب التي أنكرت بعض الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة، قد استفزت علماء الأمة العاملين وهزّت جذوع العطاء عند عدد من المفكرين الواعين فتساقَط رُطبهم جَنياً على مجتمعاتهم لتتسع مساحات الوعي المنشود، مما يؤكد أن الحرية ولو لم تكن منضبطة فإنها تظل أقل سوءا من الاستبداد الذي يكتم الأنفاس ويمنع قانون التدافع من العمل!*

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
سياسة الخصوصية