
يحتفظ السودان لجميع جيرانه بمواثيق الأخوة و حرمة الجوار ، و لا يتوانى في مد يد العون إليهم عند الطلب ،
فهو بلد كريم مفضال و صاحب نخوة ، و يعتبر عنصراً فاعلاً في محيطه الإقليمي في إطار التعاون و البناء
لكل من أخلص له النية و أحسن إليه المسير ، فدولة ليبيا الشقيقة تجمعنا معها صلات دم ، و تاريخ تليد ،
و جغرافيا متداخلة ، فلم تكن يوماً لنا خصومة مع شعبها ، و لن تكون ، و لكن حينما تبدأ رائحة البارود
تعبق حدودنا الغربية تحت قيادة جيشها الذي أدخل نفسه في مستنقع معركة داخل حدودنا السيادية
دعماً لمليشيا أثخنتها ضربات جيشنا الموجعة ، فهنا لا بد أن تقال كلمة قوية ، ليست بغرض التصعيد ،
و لكن لوضع النقاط على الحروف .
لقد تناهى إلى العالم أجمع ، لا إلى السودان وحده أن هنالك عناصر تابعة للجيش الليبي ،
و بالأدلة الدامغة و الوقائع الثابتة ، ضبطوا قبل هذا التصعيد الأخير داخل الأراضي السودانية
يقومون بمهام إستخباراتية دعماً للمليشيا ، التي يعلم القاصي قبل الداني بأنها إنهارت ميدانياً
تحت قوة ضربات القوات المسلحة السودانية ، حتى تحقق النصر في عدة جبهات إستعاد بها الجيش
زمام المبادرة و سيطر على ميدان المعركة ، و آخيراً أتت الضربة القاضية لمطار نيالا
الذي كان يُعد ليكون منصة صاروخية حديثة ، فإستطاع الجيش السوداني
بذلك شلّ العمود الفقري للمليشيا ، و من ساندها ، و بهذا يكون الجيش قد أسقط أوهام المليشيا
التي كانت تنوي سيطرتها و مد نفوذها داخل جغرافية السودان .
و في هذه السانحة لا بد أن يُقال بكل أدب جم إن مغازلة الجنرال خليفة حفتر لهذه المليشيا
ليست إلا مقامرة منه مكشوفة المعالم و تحدي سافر لجيشنا ، و لن تؤدي مثل هذه التصرفات
إلا إلى مزيد من الفشل ، كما فشلت مغامرات الجيش الليبي من قبل في تشاد ،
حين اصطدم بواقعٍ جغرافي و أمني معقد ، و هذا الواقع لا يعرف الرحمة ،
و يبدو ان حفتر ظن أنه قادر على طرح نفسه بديلاً للرئيس التشادي محمد كاكا في محاربة الدولة السودانية ،
فالجيش السوداني قادر أن ينقل له الدرس بقوة و بلهجة لا تقبل التأويل ،
و لن ينسى حينها حفتر هذا الدرس طيلة حياته .
و ها هو اليوم يتأهب لدخول المثلث الحدودي المعقد ، و لا يدري أهو في فَجة الموت ،
أي ذلك النشاط المفرط الذي يسبق النهاية المحتومة ، أم هي فرفرة مذبوح يركل بأرجله بعنف بعد الذبح ،
في مشهد يائس منه لإنكار الموت المحتوم .
و لكن ما يجب أن يعلمه الجميع ، أن الولاية الشمالية بقيادة الفريق الركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم
قد رفعت درجة الاستعداد القصوى ، و هذه الجاهزية لا تعني مجرد ردع محلي ،
بل هي امتداد مباشر لجاهزية الدولة السودانية ، تحت قيادتها الشرعية و قواتها المسلحة الباسلة،
التي لن تسمح لأي مغامر أن يعبث بأمن البلاد أو أن يتحول إلى وكيل حرب لمليشيا أثخنتها الهزائم .
لسنا دعاة حرب مع جيراننا ، و لسنا ممن يقوم بقرع طبولها ،
ولكننا أيضاً لسنا من أولئك الذين يفرطون في أرضهم أو يساومون في كرامتهم ،
فليعلم كل من يحاول أن يُشعل فتيل الفتنة من وراء الحدود أن نارها لن تحرق إلا يديه ،
و أن السودان قد غير قواعد الاشتباك ، و رفع شعار (الأمن القومي خط أحمر لا يُتجاوز) مهما كان .
و نحن نقولها بلا مواربة : السودان ليس في وضع خصومة مع ليبيا و لا مع أحد ،
و لكن إذا إختار أحدهم أن يلعب دور الخصم ، فإنه من المؤكد يلعب بالنار ،
و على كل داعمي المليشيا الخارجة عن القانون ، أن يدركوا أن ما ينتظرهم ليس نزهة ،
بل مواجهة مع دولة تعرف تماماً كيف و متي تصون كرامتها ،
و ستحتفظ بحق الرد و الردع داخل أرضي من تسوّل له نفسه المساس ببلادنا ، و لا نامت أعين الجبناء .
و (نصر من الله و فتح قريب) .